لعدم ملاءمة شروطها الصحية والإنسانية للحيوان.. أستراليا ترجئ النظر في طلب المغرب استيراد آلاف رؤوس الأغنام
يبدو أن شراع مفاوضات استيراد المغرب للمواشي الأسترالية الحية، لا تسير وفق ما تشتهيه سفينة الحكومة التي يقودها عزيز أخنوش، خاصة بعدما أرجأت أستراليا النظر في طلب المغرب لاستقدام اللحوم الحمراء بسبب "عدم توفّر" الشروط الصحية الصارمة التي يفرضها البلد خلال عملية الذبح.
وقدّمت الحكومة المغربية، طلبا لنظيرتها الأسترالية من أجل بدء مفاوضات استيراد المواشي الحية لسد الخصاص وتموين الأسواق الوطنية التي تواجه نقصا كبيرا بسبب الجفاف غير المسبوق الذي تتكبّده المملكة، ويُعد الأسوأ من نوعه منذ ما يزيد عن 30 عاما، لكن هذا الطلب بالذات أرجئ إلى أجل غير مسمى، وفق ما كشفته الحكومة الأسترالية على لسان وزير الزراعة الأسترالي موراي وات، ونقلته "أ بي سي".
وعلى الرغم من إصرار الحكومة الأسترالية على حظر التصدير البحري المباشر للأغنام عن طريق البحر، بسبب اعتراض منظمات محلية للرفق بالحيوانات على ظروف النقل والذبح في البلدان المستوردة، إلا أن إصرار المغرب بدوره كان أقوى بحيث تلقى المسؤولون الحكوميون في أستراليا طلبًا من المغرب من أجل بدء مفاوضات التزويد بالمواشي ومساعدتهم في مواجهة ويلات الجفاف، وذلك وفق الشروط المقترحة للتجارة، خصوصا وأن "الصراعات الجيوسياسية والتغير المناخي أثر بشكل مباشر على المسار التجاري للمغرب ومورديه المعتادين في الشرق الأوسط وأفريقيا..".
اهتمام أسترالي مجهض لاعتبارات عدة
هذا الطلب الذي وجّهته الحكومة المغربية، "حظي في بادي الأمر بنوع من الاهتمام من لدن نظيرتها الأسترالية"، بحسب ما كشفه العضو المنتدب في منطقة الريف الأسترالي للتصدير والتجارة، موراي فرانجس، خصوصا في الشق المرتبط بلوجيستيات التصدير إلى المغرب، بيد أن "استجابتنا الأولية كانت فاترة" على حد تعبيره.
المسؤول الأسترالي، نبّه إلى أن إحقاق الصفقة وإطلاق المفاوضات على العموم واجهتها مجموعة من العراقيل والصعوبات التي كان من المفترض تذليلها والتغلب عليها، لكن لم يتحقق ذلك، وبالتالي: "لم نر أنّ هناك أي فرصة على المدى القصير إلى المتوسط لمعالجة الأمر برمّته" مضيفا: "في وقت سابق كان من الممكن أن تنجح المفاوضات بين الحكومتين، على المدى الطويل طبعا، لكن حاليا لا يبدو الأمر كذلك، وبالتالي من غير المرجح أن تتمكن أستراليا من مساعدة المغرب في تأمين شحنات من الماشية".
ومن المهم، الإشارة إلى أن عملية استيراد الماشية من أستراليا على وجه الخصوص، تكون جد معقّدة، بحيث أنها الدولة الوحيدة في العالم التي تعتمد لوائح صارمة في وجه المستوردين، على غرار نظام ضمان سلسلة التوريد للمصدرين (ESCAS) والذي يتطلب منهم أن يتوفروا على ترتيبات للتعامل مع الماشية وذبحها بطريقة إنسانية في البلد المستورد.
وهذا الشرط، بحسب فرانجس، "لا يتوفر في المرافق المغربية التي لا نعتقدها ستكون مناسبة"، ما عرقل أساسا شرط الدخول في مفاوضات بهذا الخصوص بين الحكومتين، وبالتالي "لن يحصلوا على الاعتماد بموجب نظام ESCAS الخاص بنا، ولن نتمتع بتجربة الشحن المباشر هناك، كما أنه لم يكن لدينا القدرة على المدى الطويل للعمل مع المستوردين المغاربة لتعديل عملياتهم".
وقال فرانجس، إن شركته نظرت في السابق إلى المغرب كسوق بديل محتمل، لكن العوامل بما في ذلك تعريفة الاستيراد المحددة بنسبة 200 في المائة على الثروة الحيوانية، وكذلك الموقع الجغرافي للبلاد وأنظمة المعالجة الخاصة بها "لم تجعلها فرصة اقتصادية قوية".
من يقول الحقيقة؟
وتأتي هذه التصريحات الأسترالية "المثيرة"، بعد مضي ثلاثة أشهر على إعلان الحكومة المغربية على لسان الناطق الرسمي باسمها، مصطفى بايتاس، أنها قامت شهر مارس الماضي بالإجراءات اللازمة لاستيراد الأغنام الأسترالية، مؤكدة في الآن ذاته أنه "لا يتم توجيه المستوردين لأي سوق كان لأن الاستيراد حر".
وراسلت "الصحيفة"، وزارة الفلاحة الصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بهذا الخصوص واستفسار مآل اتفاق استيراد الأغنام الأسترالية الذي تحدّثت عنه الحكومة في مارس الماضي، وفي حالة تم فعلا استيراد الأغنام كما أكد ذلك الناطق الرسمي باسم الحكومة فما هو معدل الرؤوس المستقدمة، ومدى توفر المغرب على نظام ESCAS الأسترالي وشروط السلامة المرتبطة به، والتي كانت محط استفهام كبير لدى المهنيين الأستراليين. وإلى حدود كتابة هذه الأسطر، لم تتوصل "الصحيفة" بأي جواب على الأسئلة السالفة التي تخص هذا الموضوع.
لا إنسانية الإنسان تحبط الاتفاقات الاقتصادية
وكان رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، قد أعلن في وقت سابق، إيقاف تصدير المواشي الحيّة إلى الدول بسبب اعتراض منظمات محلية للرفق بالحيوانات على ظروف النقل السيئة، وكذا ظروف ذبح المواشي التي يعتبرونها "غير إنسانية" في بعض الدول سيما دول الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن الإلغاء التدريجي لتصدير الأغنام الحيّة إلى منطقة الشرق الأوسط، من شأنها أن تضر بمصالح حوالي ثلاثة آلاف أسرة في ولاية غرب أستراليا، والذين يعتمدون على تجارة المواشي في معيشتهم، إلا أن الحكومة مصرة على النظام المعتمد الذي يعوق مفاوضات التصدير ،وذلك وسط توقعات أن يتم فرض الحظر النهائي في العام 2025.
وكان البرلمان الأسترالي قد شهد جلسة ساخنة في فبراير الماضي، تمحورت حول تصدير الأغنام الحيّة، حيث أعاد وزير الزراعة الأسترالي موراي وات، التأكيد على اعتزام حكومة بلاده التمسك بالتزامها الخاص بالإنهاء التدريجي لتصدير الأغنام الحيّة.
غير أن تأكيدات الوزير قُوبلت بالاعتراض من جانب نواب ولاية غرب أستراليا الذين اتهموه بأنه يتجاهل التحسينات التي تم إدخالها على إجراءات تصدير الأغنام الحيّة بما يضمن سلامتها خلال رحلة الشحن البحري.
وتعد مسألة تصدر المواشي والتعامل المسيء وغير الإنساني معها، "حساسة" بالنسبة للمجتمع الأسترالي، بحيث علّقت استراليا شحنات الرؤوس الحية إلى مصر لعدة أشهر في العام 2013 بعد لقطات فيديو في مسالخ أظهرت سوء معاملة "بشعة" لأبقار، بحسب وكالة فرانس برس، كما علق التصدير مؤقتاً أيضا إلى اندونيسيا على خلفية "التعامل الوحشي"مع الحيوانات، وبالتالي فالحكومة المغربية مُطالبة بضمانات لنظيرتها الأسترالية لتذليل المعيقات، وبلوغ بر تحقيق الصفقة المذكورة.
وكانت صحيفة "التايمز" اللندنية، قد كشفت مسار تحميل ما بين 60 ألف و70 ألف رأس في سفن عملاقة يبلغ طول الواحدة منها نحو 200 متر وتضم عشر طوابق من الحظائر. وتحتاج تلك الرحلة إلى نحو 3 أسابيع من الزمن قبل أن تصل إلى مبتغاها، وهو الأمر الذي يثير غضب واستياء الجماعات المدافعة عن حقوق الحيوان، والتي تعتبر أن تلك الرحلات تنطوي على مخاطر شديدة، ومعاملة سيئة للأغنام.
وفي عام 2017 نفق 2400 رأس من أصل 63804 من الأغنام على متن سفينة كانت متوجهة إلى قطر وذلك بسبب الإنهاك والحرارة المرتفعة والاكتظاظ. وأظهرت لقطات فيديو، التقطها عامل باكستاني في خمس رحلات إلى الشرق الأوسط، أغنامًا محشورة في حظائر قذرة، وأفراد الطاقم يلقون جثثًا متحللة في المحيط.
ورغم تحسين شروط النقل لاحقا من زيادة التهوية في الحظائر، وتخفيف الأعداد التي يجري نقلها في الرحلة الواحدة، بيد أن ذلك لم يرض الكثير من النشطاء، ويرون أن الرحلة الطويلة بحد ذاتها فيها الكثير من القسوة.




